responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 293
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ قُرِئَ يُصَرِّفُ أَيْ يُصَرِّفُهَا اللَّهُ وَإِنَّمَا خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ لِأَنَّ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُحَرِّكُ الرِّيَاحَ اللَّطِيفَةَ النَّافِعَةَ وَيَجْعَلُهَا سَبَبًا لِنُزُولِ الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ وَيَجْعَلُ تِلْكَ الرِّيَاحَ وَالْأَمْطَارَ سَبَبًا لِحُدُوثِ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ النَّافِعَةِ اللَّطِيفَةِ اللَّذِيذَةِ فَهَذَا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ذِكْرُ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحَكَمْتِهِ وَمِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي تَنْبِيهٌ عَلَى إِيصَالِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ إِلَى الْعِبَادِ فَلَا جَرَمَ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا دَلَائِلُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ آيَاتٌ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا نِعَمٌ يَجِبُ شُكْرُهَا/ فَلَا جَرَمَ قَالَ: نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ وَإِنَّمَا خَصَّ كَوْنَهَا آيَاتٍ بِالْقَوْمِ الشَّاكِرِينَ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] .

[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 62]
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي تَقْرِيرِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ دَلَائِلَ ظَاهِرَةً وَبَيِّنَاتٍ قَاهِرَةً وَبَرَاهِينَ بَاهِرَةً أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَفِيهِ فَوَائِدُ: أَحَدُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ إِعْرَاضَ النَّاسِ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ قَوْمِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلْ هَذِهِ الْعَادَةُ الْمَذْمُومَةُ كَانَتْ حَاصِلَةً فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْمُصِيبَةُ إِذَا عَمَّتْ خَفَّتْ. فَكَانَ ذِكْرُ قِصَصِهِمْ وَحِكَايَةِ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ يُفِيدُ تَسْلِيَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَخْفِيفَ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى يَحْكِي فِي هَذِهِ الْقِصَصِ أَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِ أُولَئِكَ الْمُنْكِرِينَ كَانَ إِلَى الْكُفْرِ وَاللَّعْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْخَسَارَةِ فِي الْآخِرَةِ وَعَاقِبَةُ أَمْرِ الْمُحِقِّينَ إِلَى الدَّوْلَةِ فِي الدُّنْيَا وَالسَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ يُقَوِّي قُلُوبَ الْمُحِقِّينَ وَيَكْسِرُ قُلُوبَ الْمُبْطِلِينَ. وَثَالِثُهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يُمْهِلُ هَؤُلَاءِ الْمُبْطِلِينَ وَلَكِنَّهُ لَا يُهْمِلُهُمْ بَلْ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ. وَرَابِعُهَا: بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ دَالَّةٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أُمِّيًّا وَمَا طَالَعَ كِتَابًا وَلَا تلمذ استاذا فَإِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَصَ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا خَطَأٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَفَهَا بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِخْبَارُ عَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعْجِزِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِبْلِيسَ شَاهَدَ هَذِهِ الْوَقَائِعَ فَأَلْقَاهَا إِلَيْهِ أَمَّا الْإِخْبَارُ عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّهُ مُعْجِزٌ لِأَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ ليس الا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قِصَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ سبق ذكرها.
[في قَوْلُهُ تَعَالَى لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ] وَالْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ: قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمَكَ بْنِ مُتْوَشْلِخَ بْنِ أَخْنُوخَ وَأَخْنُوخُ اسْمُ إِدْرِيسَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 293
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست